كما توقع عديد من المحللين السياسيين، فقد كان من نتائج اتفاقية تدمير الأسلحة الكيميائية السورية زيادة التطرف زيادة كبيرة، سواء لدى أهل النظام السياسي أم لدى المعارضة السورية المسلحة، وأصبح كل من الطرفين يشهر سيفه ويهدد الآخر، ويسعى لكسر عظمه ولي ذراعه، ولم يعد يقبل أية تسوية لا تحقق له النصر المبين، وبديهي أن هذا النصر لن يكون إلا نصراً عسكرياً بالنظر لطبيعة الصراع والمعارك والمواقف التي تجري في هذا البلد.
أعلن النظام إشهار سيفه على لسان الرئيس الأسد الذي صرح لجريدة دير شبيغل الألمانية أنه يرفض أية محادثات مع المعارضة قبل أن تلقي سلاحها، هذا يعني أن تستسلم كلياً وتأتي طامحة أن تكون شريكاً ثانوياً جداً يقبل فتات ما يلقي له النظام. كما يعني أن أهل النظام في سوريا لم يأخذوا عبرة من تجربة الحرب المدمرة خلال عامين ونصف..
ولم يقتنعوا باستحالة النصر العسكري، رغم استخدامهم، جميع أساليب العنف والقمع والقتل والتدمير ضد الشعب السوري، بما لم يشهد مثيله شعب في العالم من سلطته السياسية، ولعل اتفاقية تدمير السلاح الكيميائي السوري التي لم تعاقب من استخدمه، أفلتت أهل السلطة السورية من العقاب وشجعتهم على الاستمرار في ممارسة سياسة العنف والاستهانة بالشعب وبالرأي العام العالمي الرسمي والشعبي.
وبدورها صعدت المعارضة السورية السياسية والمسلحة من مواقفها (المتطرفة) فصرحت قيادة الائتلاف الوطني السوري المعارض (وهو المعارضة الخارجية الرئيس المعترف به من معظم دول العالم) أن الائتلاف لن يشارك في مؤتمر (جنيف 2) إلا بعد تحقيق عدة شروط، ثم صرح المجلس المشترك للمعارضة السياسية وقيادات المعارضة المسلحة أن الائتلاف ( والجيش الحر) لن يشاركا في مؤتمر (جنيف 2) ما لم يتنحى الرئيس بشار الأسد عن منصبه قبل بدء المؤتمر.
أو أن يضمن العرب حصول ذلك، ليتسنى للحكومة الانتقالية العتيدة المتوقع تشكيلها في المؤتمر أن تمتلك صلاحيات كاملة بما في ذلك إعادة هيكلة الجيش السوري، والجيش الحر، وأجهزة الأمن، وهذا يعني أن يندحر أهل النظام مسبقاً قبل المؤتمر، ويلقوا سلاحهم، تماماً كما طالب أهل السلطة بأن تندحر المعارضة المسلحة وتلقي سلاحها قبل المؤتمر (قبل أية تسوية).
يوقن كل من الطرفين استحالة تحقيق مطلبه، ومع ذلك يصر عليه، مما يؤكد إما أنه يعيش في الخيال والوهم ومازال يعتقد بإمكانية الانتصار الساحق الماحق، أو أنه لا يشعر بمسؤولياته تجاه سوريا وشعبها وأهلها ومآسيها ومستقبلها، وكأن التدمير والقتل والبلاء الذي حصل في سوريا، يحصل في بلد آخر ولا يحمّل أحداً أية مسؤولية حتى ولا مسؤولية إنسانية.
والأمر الأخطر هو أن كل طرف ربما كان يرى الأزمة من نافذة مصالحه هو فقط، لا مصالح الوطن ولا مصالح الشعب، فالنظام الذي تخلى عن السلاح الكيميائي من أجل بقائه ولم يحسب حساب الوطن الذي يقوى بهذا السلاح، والذي يسعى لقهر المعارضة، ولا يقبل بإصلاحات بديهية وضرورية، هذا النظام ..
كما يبدو، انفصل عن الواقع وعن شعبه، ولم يعد يرى سوى مصالحه الذاتية ولا شيء غيرها. والمعارضة بدورها، السياسية والمسلحة، ربما غرقت في شروط وظروف قامت وترسخت بدون إرادة منها، فلا هي استلمت سلاحاً يؤهلها للنصر العسكري، ولا أقنعت دول العالم بدعمها بدون تحفظ، وخسرت شعبها الذي بقي ستة أشهر، يتظاهر بالملايين بصدور عارية ويتلقى رصاص النظام دون أن يكل، ثم انتزعت منه هذه المعارضة دوره، وزعمت أنها ستحل المشكلة وتحقق النصر، فلا حلت المشكلة..
ولا حققت النصر، فتنحى الشعب جانباً واستمر يدفع الدم والموت والاعتقال وتدمير مساكنه دون أن يكون له حق إبداء الرأي، وانتقل حل الأزمة للخارج وها هي السلطة كما المعارضة والشعب جالسون هادئون ينتظرون كلمة من الولايات المتحدة، أو أخرى من روسيا، أو همهمة من إيران وحزب الله وغيرها، ربما يرون فيها بعض الضوء في نهاية النفق.
حاول بعض أهل النظام تأكيد استحالة انتصار كل من الطرفين انتصاراً عسكرياً، فقد قالها فاروق الشرع (نائب رئيس الجمهورية)، وقالها قدري جميل (نائب رئيس الوزراء)، وطالبا بالعمل للوصول إلى تسوية تاريخية، وهذه التسوية تبدأ بديهياً باعتراف كل من الطرفين بالآخر، بعد الاقتناع باستحالة النصر العسكري لأي منهما..
كما حاول بعض قادة المعارضة أيضاً العمل للوصول إلى تسوية بالشروط نفسها، إلا أن الرؤوس الحامية كانت ترفض دائماً، ضاربة بمصالح الوطن والشعب عرض الحائط، متمسكة بالمزاودة وبالشعارات المتطرفة، التي تؤجج الصراع وتتجاهل مآسي الشعب، وتتجاهل أن التسوية هي الحل الوحيد للأزمة السورية رغم قناعتها بذلك.